سانت بطرسبورغ: مدينة على ضفاف الحلم – بقلم الكاتب والروائي محمود عمر محمد جمعة
حين تطأ قدماك سانت بطرسبورغ، تشعر وكأنك تدخل رواية مفتوحة الصفحات. المدينة التي أسسها القيصر بطرس الأكبر قبل أكثر من ثلاثة قرون، ما زالت تحتفظ بقدرتها على أسر العين والقلب معًا. على ضفاف نهر نيفا، تمتد القصور، وتعانق الجسور المائية، وتعلو القباب الذهبية للكنائس، في مشهد يجعل الزائر يتساءل: هل هذه مدينة من حجر أم قصيدة من ضوء وثلج؟ من المدينة إلى الحكاية في أحد أيام زيارتي، مررت أمام منزل الأديب الروسي فيودور دوستويفسكي. كان مبنى بسيطًا من الخارج، لكن الوقوف أمامه أيقظ داخلي شعورًا بأن هذه المدينة تخبئ قصصًا لا تُحصى، تنتظر من يكتبها. عندها، ولدت فكرة روايتي "أمل في سانت بطرسبورغ". تخيلت بطلها آدم، الطالب العربي الذي جاء إلى هذه المدينة حاملاً أحلام عائلته، ويصارع البرد والوحدة واللغة، قبل أن يجد بصيص دفء يغير مسار أيامه. كانت شوارع المدينة، أجواؤها الباردة، ومشهد نهر نيفا في الشتاء، كلها انعكاسات لما رأيته بعيني، حتى صارت جزءًا من روح الرواية. مدينة تلهم الغرباء سانت بطرسبورغ ليست مدينة تودّعك بسهولة، فهي تترك فيك أثرًا عميقًا، سواء كنت من أبنائها أو غريبًا جاء يبحث عن الأمل بين جدرانها. بالنسبة لي، كانت تلك اللحظة أمام منزل دوستويفسكي بداية رحلة أدبية، تحولت فيها مشاهد المدينة إلى رواية تعيش اليوم بين صفحات "أمل في سانت بطرسبورغ".
تولد الروايات والقصص من تجاربنا الشخصية
تولد الروايات والقصص من تجاربنا الشخصية الرواية ليست كلماتٍ تُرصّ على الورق وحسب، بل هي انعكاسٌ لما عشناه، وما هزَّ قلوبنا في لحظةٍ ما، أو ما أدمى أرواحنا في أخرى. إننا حين نكتب، نغمس أقلامنا في مداد التجربة، لا في الحبر وحده. ولهذا، تحمل القصصُ في طياتها أثقالًا من الشعور، قد يكون جميلاً يدفئ القلب، أو حزينًا يلسع الروح، لكنها تظل صادقة لأنها وُلدت من نبض الحياة نفسها. وفي هذا الطقس المتجمّد، حيث يلتف الصمت حول النوافذ مثل وشاحٍ أبيض، يصبح الشعور أكثر نقاءً وأقرب إلى الصفحات. فالبرودة التي تخدش الأصابع توقظ فينا ذكريات قديمة، وتحرّك مشاعرَ كنّا نظنها خمدت منذ زمن. في البرد، يبدو الحنين أوضح، ويصبح الحزن أعمق، والفرح أدفأ. إننا، نحن الكتّاب، لا نختار ولادة القصة، بل هي التي تطرق أبوابنا في لحظات كهذه؛ حين يلتقي الصقيع بوهج الداخل، وحين تختلط التجربة بصدق البوح. وهكذا، تخرج الرواية إلى العالم محمّلة بهمّ التجربة ودفء الشعور، حتى لو وُلدت في قلب العاصفة